قائمة المدونات الإلكترونية

Pages

السبت، ٢٧ فبراير ٢٠١٠

وزير التعليم.. برىء حتى تثبت إدانته


وزير التعليم.. برىء حتى تثبت إدانته

وزير التعليم.. برىء حتى تثبت إدانته

بقلم د. طارق عباس ٢٧/ ٢/ ٢٠١٠
الناس عدد رؤوسهم أفكار، هكذا قال «أحمد لطفى السيد»، ومن هذه الأفكار تخلق التجارب، ومن تنوع التجارب تعلمنا أن الاختلاف سنة الحياة، وأن للدنيا وجهين، خير وشر، حب وكراهية، قبح وجمال، نور وظلمة.. إلخ، وتصور الحياة على غير ذلك هو ضد قانون الوجود، فلماذا إذا لا نفتش وسط الظلمة المتكاثفة عن شعاع أمل يحبب إلينا الحياة؟ لماذا يصر البعض على ترصد الأخطاء والسلبيات وإطلاق الأحكام العامة على قضايا وتجارب لم تكتمل بعد؟ لماذا لا نسلم بقليل من الإيجابيات الموجودة حتى نستطيع استيعاب السلبيات؟

من المؤكد أن معاناة الناس قد فاقت الحدود، وتجاوز بعض المسؤولين واستخفافهم بمصير هذا البلد صار هماً جاثماً فوق الصدور، وهو ما يدفع كثيرين وأنا منهم، للإحساس أحياناً بعدم إمكانية الإصلاح أو التغيير، لكن، ولأن الدنيا لا يحكمها الخط الواحد واللون الواحد والفكر الواحد، ولأن مصر عامرة بناسها،

فمثلما أن هناك مسؤولين يحاولون بيع هذا الوطن فى أقبح مزاد عرفه التاريخ، فهناك قلة ممن يحترمون أنفسهم ومسؤولياتهم، يحاولون السباحة ضد تيار الفساد، ويسعون للعمل منذ اليوم الأول لتسلمهم مقاليد المسؤولية، ومن هؤلاء الدكتور «أحمد زكى بدر» الذى وصل إلى السلطة فى إطار تغيير وزارى محدود جداً وغير مرض، والذى بمجرد اعتلائه كرسى وزارة التربية والتعليم كانت فى استقباله حملة إعلامية شعواء تكيل له الاتهامات بالصلف والعنجهية والتشدد وتتوقع له الفشل قبل أن يبدأ،

لا لشىء إلا لأنه وزير فى حكومة نظيف المرفوضة شعبياً، ولكونه ابناً لوزير الداخلية السابق المرحوم «زكى بدر»، الذى أشيعت عنه الغلظة والقسوة، رغم أنه من وجهة نظرى أكثر الوزراء صرامة وجرأة فى تطبيق القانون، وعدم الخوف مطلقاً من أصحاب النفوذ، وفى ظل هذا الجو المشحون بالمسلمات الميؤوس منها يتولى الرجل مهام منصبه، ويتحسس طريقه، مولياً ظهره للشائعات والانتقادات وعقله للبحث عن سبل تعيد الانضباط للمدارس والهيبة للمدرس واللوائح والقوانين إلى ما يجب أن تكون عليه،

وفى الوقت الذى لم نسمع فيه عن وزير النقل «علاء الدين فهمى» المعين معه فى إطار هذا التعديل الوزارى، حساً أو خبراً، خيراً أو شراً، يتخذ الدكتور «أحمد زكى بدر»، عشرات القرارات، التى تبدو متشددة ظاهرياً لكنها فى حقيقة الأمر واجبة كخطوة أولى فى إعادة صياغة المنظومة التعليمية المحملة بالأخطاء والخطايا، ومنها على سبيل المثال:

أولاً: تفعيل مبدأ الثواب والعقاب، وهو مبدأ كان غائباً عن وزارة التربية والتعليم منذ سنوات، وأدى لشيوع الفساد والواسطة والمخالفات المالية وتسرب الامتحانات والغش الجماعى، وإصابة دولاب العمل بالترهل، ولإيمانه بهذا المبدأ، لم يتردد فى إصدار عدد من قرارات الجزاءات ضد عدد من المسؤولين بإدارة السادس من أكتوبر التعليمية بشأن واقعة امتحان المدارس الابتدائية فى مادتى الكمبيوتر والمكتبات بشكل مفاجئ، ووقفه ناظر مدرسة المنيا الثانوية العسكرية عن العمل ونقله لمكان آخر بسبب عدم انضباط الطلاب، وإحالته للموظفين بإدارة الخليفة والمقطم التعليمية إلى النيابة الإدارية للتحقيق فى المخالفات المالية التى كشفتها الوزارة، وأخيراً إسقاطه لرجال «الجمل» واحداً تلو الآخر، وهو ما دفع البعض لانتقاد الوزير الجديد بمجرد الرغبة فى قلب الطاولة، والغريب أن منتقديه على هذه الخطوة هم أنفسهم من كانوا ينتقدون الوزارة السابقة ورجالها ويطالبون بإقالتهم.

ثانياً: الالتزام بطابور الصباح وتحية العلم والنشيد الوطنى والاهتمام بالإذاعة المدرسية فى جميع المدارس الحكومية والخاصة والدولية، بوصفها أهم مفاتيح الانضباط وأدوات الاتصال بين الطالب والعالم الخارجى، يتلقى من خلالها الأدب والفن والثقافة ويعبر عن رأيه ويتفاعل مع قضايا مجتمعه ويتعود الانتماء للوطن، وعندما تضيع مفاتيح الانضباط، فهل هناك أى إمكانية لتوقع الأفضل؟

ثالثا: رفضه أن تكون المدارس مجرد مكاتب لمرتزقة الأقوات وسماسرة الدروس الخصوصية، لذا أصر على ربط نسبة حضور الطالب بحقه فى دخول الامتحان، حتى لا تكون المدارس خاوية على عروشها منذ أول يوم فى الدراسة، كما هى الحال فى معظم المدارس الثانوية، وهذا معناه أن الطالب سيتصالح مع حياته، وسيضطر أن ينام مبكراً ويستيقظ مبكراً وسيضطر المدرس للشرح، وبالتالى ستتضاءل الدروس الخصوصية.

رابعاً: مكافحة التسرب فى المدارس باعتباره أبرز مصادر الأمية، من خلال الاهتمام بالنشاط المدرسى وطرق التدريس المبنية على التكنولوجيا والكتاب المدرسى، الذى يكلف الدولة أكثر من مليار جنيه سنوياً.

خامساً: عودة نظام الثانوية القديم ليكون سنة واحدة، وما يحمله ذلك القرار من تخفيف الأعباء عن كاهل أولياء الأمور على المستويين النفسى والمادى.

هذا بالإضافة لقرارات أخرى تشهد أن الرجل خلال أقل من شهرين أعلن جيدا عن نفسه، ويحاول أن يضع أصابعه تدريجياً على الجرح، ويوظف شدته المحمودة فى الوقوف بحزم أمام كل مظاهر الفساد، فهل ننتقده لمجرد النقد أم نتركه يحاول؟ فدعوه يعمل، ودعونا لا نتعجل النتائج، ونسلم بأن الدكتور «أحمد زكى بدر»، برىء حتى تثبت إدانته.